عاد عناصر حركة حماس، كما يروي الصحفي رايهان أودين، إلى شوارع غزة فور دخول الهدنة مع إسرائيل حيّز التنفيذ، يسيّرون الدوريات بوجوه متعبة لكن رؤوس مرفوعة. ذلك الظهور لم يكن مجرد إشارة أمنية، بل إعلان رمزي بأن من يحكم القطاع المحاصر لم يتغيّر.
ذكرت ميدل إيست آي أن خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذات العشرين بنداً تتخيّل مستقبلاً لا وجود فيه لحماس عسكرياً أو سياسياً، لكن محللين يرون أن الوقائع المعقّدة وغياب بدائل واقعية تجعل من تهميش الحركة هدفاً صعب المنال. وقال الأكاديمي عزام التميمي إن “إسرائيل وجدت نفسها مجبرة على توقيع اتفاق مع حماس، بعدما فشلت في سحق المقاومة. حماس لم تُهزم، وإذا لم تفز فإنها لم تخسر.”
يشير التقرير إلى أن الهدنة أنهت حرباً دامت عامين، وفتحت الباب أمام مساعدات إنسانية وانسحاب إسرائيلي تدريجي وتبادل للأسرى. بعد سنوات من الحصار والقصف، تشعر حماس بانتصار معنوي لأنها صمدت وتفاوضت مباشرة مع واشنطن لإنهاء الحرب. والأنظار تتجه الآن إلى كيفية توظيف هذا الشعور في ترسيخ النفوذ وتشكيل استراتيجية طويلة المدى.
سعت حماس فور الهدنة إلى استعادة السيطرة الأمنية على مناطق انسحب منها الجيش الإسرائيلي. شنت حملة واسعة ضد العصابات والمهربين والمتعاونين مع إسرائيل الذين استغلوا الفوضى لإيذاء المدنيين والاستيلاء على المساعدات. وخلال أيام، اعتقلت العشرات، وأعدمت علناً ثمانية أشخاص وُصفوا بـ"الخارجين عن القانون".
يقول الكاتب الفلسطيني محمد شحادة إن هذه الحملة حملت أبعاداً متعددة: “من جهة كانت مواجهة للجريمة المنظمة التي سيطرت على السوق السوداء، ومن جهة أخرى محاولة لإعادة احتكار السلاح داخل غزة بعد أن تركت إسرائيل أسلحة خفيفة في أيدي مجموعات متفرقة.” ويضيف أن إسرائيل تعمّدت تغذية الفوضى عبر ترك تلك الأسلحة لإشعال اقتتال داخلي.
تظهر إعادة السيطرة السريعة أن القضاء على حماس ليس أمراً يسيراً، رغم تهديدات ترامب الذي قال إنه “سيقضي على الحركة بسرعة وربما بعنف” إذا واصلت القتل في غزة. المفارقة أن ترامب كان قد أشاد أولاً بحملتها ضد العصابات قبل أن يغيّر موقفه لاحقاً.
يقول التميمي إن “حماس هي القوة الوحيدة التي يثق بها سكان غزة لحفظ النظام”، بينما أعلن الزعيم القبلي حسني سلمان المغني، أحد أبرز وجهاء العشائر، دعمه للحملة ضد “القتلة واللصوص والمتعاونين مع الاحتلال”.
لكن استعادة السيطرة الأمنية تفتح جبهة جديدة حول قضية السلاح. فبينما تطالب واشنطن وتل أبيب بتجريد حماس من سلاحها بالكامل، تؤكد الحركة أنها لن تسلّم أسلحتها قبل قيام دولة فلسطينية. وصرّح القيادي باسم نعيم قائلاً: “لا أحد يملك الحق في حرماننا من مقاومة الاحتلال.”
وأوضح عضو المكتب السياسي محمد نزال أن الموقف يعتمد على طبيعة برنامج نزع السلاح: “هل الحديث عن تسليم السلاح؟ ولمن؟” وتداولت مصادر عربية احتمال تسليم الأسلحة لبعثة حفظ سلام عربية أو تخزين الصواريخ الثقيلة دون تدميرها.
هدّد ترامب باستخدام القوة لنزع السلاح، لكن شحادة يشير إلى دراسة أجرتها مؤسسة راند عام 2008 وجدت أن الجماعات المسلحة غالباً ما تنتهي عندما تتحوّل إلى كيانات سياسية، وأن القوة العسكرية نادراً ما تحقق نصراً حاسماً عليها.
يقول شحادة إن حماس “تسير في هذا الاتجاه، فالحل العسكري أثبت فشله، ولم يبق سوى الحل السياسي.” ويضيف أن غياب أي أفق حقيقي للدولة الفلسطينية يجعل الحركة متمسكة بسلاحها الدفاعي على الأقل. ويلفت التقرير إلى أن خطة ترامب تتحدث عن “إلغاء السلاح” لا “نزع السلاح”، في إشارة إلى تجربة إيرلندا الشمالية عام 1998 حين جرى تجميع الأسلحة تدريجياً بعد تنفيذ اتفاق السلام، لا قبله.
يؤكد شحادة أن “نزع السلاح لم يكن يوماً شرطاً لبناء السلام، بل نتيجة له”، مستشهداً بتجارب كولومبيا وجنوب أفريقيا.
توضح مصادر في غزة أن قيادة حماس أبلغت ممثليها في الخارج رفضها الاستسلام أو قبول أي وجود عسكري إسرائيلي، مؤكدة استعدادها للقتال لفترة أطول إن لزم الأمر. ورغم تراجع شعبيتها في بعض المناطق، فإن غالبية الفلسطينيين لا تزال ترفض نزع السلاح وتؤمن بالمقاومة المسلحة.
يقول شحادة إن “بعض أشدّ منتقدي حماس صاروا من أكثر مؤيديها بعد المجازر.” فبينما عانت غزة من إبادة طالت المدنيين، رأى كثيرون في مقاتلي حماس “جيشاً حافياً يخرج من الأنفاق ليقاتل جيشاً مدججاً بالسلاح.” تلك المفارقة، كما يصفها، تعكس ازدواجية النظرة للحركة بين البطولة والكارثة.
تشير الباحثة هيلينا كوبان، مؤلفة كتاب Understanding Hamas، إلى أن مفاوضي الحركة شاركوا فقط في ست نقاط من خطة ترامب، متجاهلين 14 بنداً آخر، ما يدل على أن من غير الواقعي تخيّل مستقبل غزة دون دور لحماس. وتضيف أن إسرائيل استهدفت قيادات سياسية وعسكرية للحركة داخل غزة وخارجها، لكنها فشلت في تفكيك هيكلها التنظيمي الذي ظل متماسكاً خلال المفاوضات.
تعلن حماس أنها لا تنوي حكم القطاع طويلاً، وأنها ستسلّم الإدارة إلى هيئة فلسطينية جامعة، لكنها تسعى للبقاء لاعباً مؤثراً سياسياً من خلال الانخراط في منظمة التحرير. ويختم شحادة قائلاً إن “نفوذ حماس في المرحلة المقبلة لا يزال مجهول المدى، لكن المؤكد أنها خرجت من الحرب مثقلة بالجراح... لا مهزومة.”
https://www.middleeasteye.net/news/so-whats-next-hamas